الجمعة، 14 فبراير 2020

القبر
جعل الله تعالى القبر برزخًا بين الدنيا والآخرة، فهو انقطاع عن الأولى وإقبال على الأخرى، وهو مشترك بين الدارين؛ فمكانه في الأرض وهي من الدنيا، وفترة بقاء الميت فيه هي من زمن الدنيا أيضًا، ولكن المقبور فيه يعامل معاملة الآخرة لا معاملة الدنيا؛ ولذا كان القبر أول منازل الآخرة.
تلك الحفرة الموحشة المظلمة أسهرت ليالي الصالحين؛ خوفاً منها، وتفكرًا فيها، ودعاء بالنجاة من عذابها.
حفرة ضيقة يوسد الميت فيها، ثم يهال التراب عليه فلا نفس فيها ولا فرجة ولا ضوء ولا هواء ولا شيء معه إلا كفنه وعمله، ويبلى الكفن ويبقى العمل.
وآخر لمسة يظفر بها مقبور من بشر مثله هي لمسة من يوسده في لحده، وآخر نظرة تصيبه هي نظرة من يضع آخر لبنة عليه، ثم ينقطع عن البشر، فلا يبقى إلا العمل، وآخر إحساس له بالبشر في تلك اللحظات حين ينتهون من دفنه، ويتولون عنه وهو يسمع قرع نعالهم؛ كما جاء في الحديث..
يا لها من نهاية تستحق الوقوف عندها، والتفكر فيها، والعمل لها.. نهاية قد صار إليها عدد كبير من أقاربنا وأحبابنا وخاصتنا، وحتمًا سنصير إليها، وسيقف واعظ وخطيب وداعية يذكر الناس بنا، كما ذكرهم من قبل بغيرنا، ولكن الإنسان ينسى، والقلوب تقسو، والغفلة مطبقة.
كم من واقف على شفير قبر يتأمل الميت وهو مسجى، ويتساءل: أهو فرح بمصيره أم حزين؟ ما مصيره؟ ماذا يتمنى وماذا يريد؟ فلا يقطع تفكيره إلا صوت يقول: سلوا له الثبات، فتتحرك الألسن بالدعاء. ومن كان المقبور عزيزًا عليه، قريبًا منه؛ مكث عند قبره مليًا يلهج بالدعاء له حتى يشبع نهمته فيفارقه، فلا يجف قبر الميت من مائه وحوله أحد.. قد تفرق الجمع، وولى عنه أحب الناس إليه، فيقابل مصيره وحده، ويتحمل تبعة عمله؛ فإن خيرا فخير، وإن شرا فشر.. فاللهم أيقظ قلوبنا من الغفلة، وأزل عنها السكرة، ووفقنا للعمل الذي يجعل قبورنا روضة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

صاحب النقب

كان مسلمة بن عبدالملك على رأس جيش للمسلمين يحاصرون قلعة عظيمة للروم ، ولكن القلعة استعصت على جيش المسلمين لارتفاع أسوارها ولإغلاق جميع المن...