الإصلاح بين الناس عبادة عظيمة ، لكنها في حقيقتها ليست مجرد جهد بشري لتسكين الخلافات ، بل هي تجلٍّ من تجليات الرحمة التي أرادها الله لعباده ..
القلوب حين تتنافر تُثقل الحياة ، والصدور حين تضيق يُغشى عليها من سواد العداوة ، ولا شيء يعيد لها صفاءها مثل كلمة خير أو مبادرة صادقة تبني جسور الوصل بعد انقطاع ..
الله سبحانه وتعالى جعل منزلة المصلح عالية ، فقال : {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} ..
فكأن الخير الحقيقي يُقاس بمدى قدرتك على أن تكون جسرًا يمرّ عبره الناس إلى السلام ..
الإصلاح ليس موقفًا عابرًا ، بل هو خلق يختبر نقاء القلب ، إذ لا يقدر عليه من يتلذذ بالخلافات أو يستسيغ الفرقة ..
والإصلاح ليس دائمًا في نزاع كبير أو خصومة معلنة ، بل قد يكون في كلمة طيبة بين صديقين اختلفا ، أو في نصيحة هادئة بين زوجين تباعدا ، أو في لفتة كريمة تذكّر إخوة أن الرحم أكبر من خلافاتهم الصغيرة ..
كل محاولة لإعادة القلوب إلى نقائها هي إصلاح ، وكل سعي لكسر دائرة القطيعة هو عبادة تُكتب لك ..
بركة الإصلاح عظيمة ، لا تعود على المتخاصمين فقط ، بل تشمل المصلح نفسه ، يجد أثرها في راحة صدره ، وفي زيادة محبّة الناس له ، وفي رضا الله الذي يحب الساعين في الخير ، وما أجمل أن يكون همّك أن تترك وراءك قلوبًا متصالحة بدلًا من أن تترك خلافًا يتفاقم أو جرحًا يتسع ..
إنه خُلق الأنبياء ، وسِمة الأولياء ، وواجب الأمة التي أمرها ربها أن تكون "خير أمة أخرجت للناس" ..
فلتكن ممّن يختارون الكلمة التي تجمع لا التي تفرق ، والنية التي تصلح لا التي تفسد ، والروح التي تبني لا التي تهدم ، عندها ستدرك أن الإصلاح بين الناس ليس عملًا عابرًا ، بل رسالة تُنير دربك وتثقل ميزانك ..


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق